صـحـيـفـة الأخـبـار
ربما لا يضرّ أصحاب قناة «الجديد» في هذه المدة من حياتهم السياسية وأعمالهم وأشغالهم، أن يكونوا عرضةً لهجوم من أنصار المقاومة في لبنان.
ربما هم يفترضون أنّهم سيحصلون على ثناء الجهات الراعية لهم في لبنان والخليج والغرب.
مع ذلك، لا يمكن التعامل مع الذي حصل، على أنه في سياق عادي، سبق لوسائل الإعلام في لبنان أن عاشت تحت ظلّه ولا تزال منذ عشرات السنين.
وعلى العاملين في هذه القناة، إدراك أنّ الانهيار المهني وصل إلى مرحلة تشكل إهانةً لكل واحد منهم.
حـتـى mtv رفـضـت عـرض الـتـقـريـر!
يكفي أن يعلموا، أنّ قناة MTV رفضت نشر التقرير المذكور، مع أنّها تلقّت سعراً أكبر من ذاك الذي حصلت عليه «الجديد».
علماً أنّ العرض كان شاملاً: تعديل طبيعة الحلقة واستبدال سمر أبو خليل بجوزفين ديب، واستقبال ضيف يعمل منذ وقت غير قصير «غبّ الطلب» عند كل الجهات المعادية للمقاومة...
من السفارة الأميركية في بيروت إلى أبو ظبي والرياض، وصولاً إلى بث التقرير من دون أي تعديل.
لكن القناة المذكورة تقول إنها نجحت في إلزام الجهة المموّلة، بأن القناة ستقول إنّها ليست من أعدّ التقرير.
في لبنان، هناك في القانون شيء اسمه «جريمة نشر». جريمة يمكن للقضاء التعامل معها باستنسابية متى كان للسياسة دور.
مثلاً، يتيح القانون للنواب الذي يملكون حصانةً، أن يتكلّموا في أي موضوع، من دون أي ضوابط، بما في ذلك التشهير بمسؤولين أو جهات.
لكن لا يحقّ لوسائل الإعلام نشر ما يقوله هؤلاء النواب، وتُعاقب الوسائل الإعلامية وفقاً لقانون جريمة النشر.
بمعنى أنّ المتضرّر من كلام النائب، لا يمكنه ملاحقته إلا في حالات معينة.
بينما يمكن له ملاحقة أي وسيلة إعلامية لمجرد أنّها نشرت كلام النائب.
في حالة «الجديد»، لم يعد مهماً بالنسبة إلى إدارتها، التمييز بين العمل المهني الجاد، والعمل الإعلاني، غير الجاد أيضاً.
صار الجميع في لبنان، يتحدث عن كيفية استخدام هذه المحطة لبرامجها المتنوعة، من أجل ابتزاز سياسيين ورجال أعمال...
قبل أن ينتقل هؤلاء إلى إستراتيجية الانخراط في علاقات أكبر مع عواصم ودول توفّر التمويل الذي لا يصرف كلّه في القناة أصلاً.
ورواتب العاملين فيها، وأوضاع أجهزتها التقنية وواقعها الإداري، تشير إلى أنّ أصحاب القناة لا يصرفون إلا اليسير مما يحصلون عليه من دول وجهات وشخصيات.
علماً أنّ هذه المجموعة التي تملك المحطة، لا يبدو أنّها تجيد التمييز، بين الفوضى الإعلامية التي تعيشها كما حال غالبية الإعلام في لبنان...
وبين التورّط في مشاريع تستهدف سفك الدماء في الشارع، وليس إهانة مجتمعات أو جمهور أو جهات أو رموز بعينها.
الـمـربّـع الـمـعـادي لـلـمـقـاومـة
الفكرة أنّ أصحاب القناة، انتقلوا منذ سنوات إلى المربّع المعادي للمقاومة بصورة كاملة.
يعني أنّهم قرروا الانتقال للعمل والعيش والتعامل مع المسائل اللبنانية وفقاً لما يقرره الخارج المعادي للمقاومة.
مسار لا يشمل الموقف السياسي فقط، بل العلاقات الشخصية أيضاً.
حتى تورّط إعلاميون في المؤسسة نفسها، في بناء علاقات مع هذه الجهات، بطريقة مهينة للمهنة ولهم شخصياً.
ولكنهم غير مهتمين بالأمر، ويبرّرون ما يقومون به، بأنّه تعبير عن وجهة نظر، وأنّه مثلما يوجد علاقات مهنية مع محور المقاومة... فإنه لا ضير من علاقات مهنية مع الطرف الآخر.
وعندها، يصبح تبرير الموبقات كلّها باسم المهنية والحياد واحترام الرأي الآخر.
المشكلة أنّ ما قامت به قناة «الجديد» لا يتعلق بسوء تقدير، أو استعجال للفوز بمناقصة على فيديو قذر وسخيف، بل يتعلق بالعقلية التي تقف خلف هذه السياسات.
تلك العقلية التي تقول إنّ التعامل مع العدو، والترويج لكلّ الأفكار التي تناسب حربه على لبنان وفلسطين وسوريا والعراق واليمن، باتا أمراً عادياً بالنسبة إلى هؤلاء.
وهم يعتقدون أنّ مسايرة عواصم خليجية أو تقديم أوراق اعتماد إلى الإدارة الأميركية، يكفي للقيام بما يقومون به.
علماً أنّ إدارة القناة لا تزال تسعى، كما قنوات لبنانية أخرى، إلى الحصول على دعم مالي أميركي مباشر.
وإقناع فريق في الإدارة الأميركية بتخصيص جزء من التمويل الذي كان مخصصاً لقناة «الحرة» من أجل تمويلهم.
بعدما لمسوا أنّ الخليج لم يعد «كرماً على درب» كما كان عليه الأمر سابقاً.
وهم يعلمون كذلك بأنّ العالم بات يعرف حقيقة كلفة ما ينتجون وبالتالي لم تعد هناك «عطايا» مفتوحة.
إعـلام الـفـتـنـة وإراقـة الـدمـاء
في الحالة التي نحن فيها، تصبح المسؤولية أكبر، على كل المعنيين بما حصل:
- على الحكومة اللبنانية التي لا يمكنها الحديث عن إعلام متزن وهي تسكت عن إعلام يعمل من أجل الفتنة وإسالة الدماء.
- على إدارة القناة، التي يفترض بها أن تعرف، بأنّ ما تقوم به، له ردود فعل ليست من النوع الذي يفكرون به، أي إنّ «حزب الله» على وجه التحديد...
غير معني بخوض معركة مباشرة مع القناة، بينما لا يمكن للحزب أن يتدخّل ويقنع الناس بالصمت عما حصل.
- على العاملين في القناة، الذين لم يعد ممكناً القبول بتذرّعهم بأنّهم يلتزمون سياسة القناة كموظفين.
وهم يعرفون أنّ ما حصل، يصيبهم في مهنيتهم أولاً وأخيراً، كما يصيبهم في مصداقيتهم أمام الجمهور.
وفوق ذلك، بات يشوّه صورتهم عند جمهور لم يعد يقبل بالمبررات التقليدية.
وفقاً للمؤشرات، لا يبدو أنّ أصحاب القناة، والإعلاميين المتورطين في هذه الحملة، قد أدركوا خطورة ما قاموا به.
وهم على الأرجح، ورطوا أنفسهم في إستراتيجية تستهدف قيادة فتنة داخلية ضمن برنامج تحريض على كل ما يتصل بالمقاومة ورموزها ومؤسساتها المدنية قبل العسكرية.
وبالتالي، لا يجب توقّع أي خطوة من شأنها وقف هذا النوع من «العهر»
ما يستدعي البحث من جديد، في سبل مختلفة، لإنتاج إعلام قادر على إنهاء هذه التفاهة المسيطرة على المشهد الإعلامي في لبنان.
وبما يفتح الباب أمام نقاش جدي لدى المعنيين بالأمر، من أجل التعامل مع الأمر باعتباره أولويةً، وهو التحدي الأكبر في هذه المرحلة.